الأحد، 16 يناير 2011

يقول سبحانه في الحديث القدسي
((عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد وإن لم ترض بما أريد أتعبتك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد)).

الرضا بقضاء الله فرض على كل مسلم

لاشك أن المصائب التي يصاب بها البشر قدر مقدور وقد أمرنا الله تعالى بالصبر، ورتب على ذلك الثواب فقال:"إِنَّمَا
فالرضا هو أساس ديننا الحنيف فلا يكون الانسان مسلماً حتى يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً، كما ان الرضا سبب لذوق طعم الإيمان، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً".
فالرضا آخر التوكل، فمن رسخت قدمه في التوكل والتسليم والتفويض حصل له الرضا .
والرضا هو آخر منازل السلوك إلي معرفة الله عز وجل ، وهي منزلة الأبرار المقربين من أهل اليقين الذين قال الله عز وجل فيهم "رضي الله عنهم ورضوا عنه" "سورة المائدة 119" ، وقد تكون حقيقة الرضا مجهولة عند الكثيرين حيث لا يمكن ادراكه إلا اذا تأمل المسلم أحوال الرسول - صلي الله عليه وسلم - فإنه - صلي الله عليه وسلم - لما كملت معرفته بربه سبحانه وتعالي رأي أن الخالق مالك لما خلق، وللمالك التصرف في ملكه، ورآه حكيما لا يضع شيئا عبثا فسلم - صلي الله عليه وسلم - أموره كلها إلي خالقه تسليم مملوك لحكيم فكانت العجائب تجري علي يديه ولا يوجد منه تغير بل ثبت امام الاقدار ثبوت الجبل لعواصف الرياح.
لقد جاء الرسول - صلي الله عليه وسلم - والكفر قد ملأ الآفاق وكان إذا خرج يرمونه بالحجارة وهو ساكت ساكن وابتلي بالجوع وشد الحجر علي بطنه ولله خزائن السموات والأرض ولم يتغير وقتل أصحابه من حوله وُمثل بعمه وهو ساكت ورزق ابنا وسلب منه فتعلل بالحسن والحسين ، ولما اعترض عليه عمر في صلح الحديبية قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إني عبدالله ولن يضيعني فقوله إني عبدالله إقرار بالملك فكأنه قال أنا مملوك لله يفعل بي ما يشاء وقوله لن يضيعني بيان لحكمته وأنه لا يفعل شيئا عبثا هذان الأصلان هما أساس الرضا عند رسول الله صلي الله عليه وسلم وهما أن الإنسان عبد مملوك لحكيم لا يعبث .
هذا هو سلوك النبى رجل عرف الوجود وموجده فماتت أغراضه وسكنت اعتراضاته وصار هواه
و لقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الراضي بقضاء الله هو أغنى الناس لماذا ، لأنه أعظمهم سروراً واطمئناناً، وأبعدهم عن الهم والحزن والسخط والضجر، فالغنى ليس بكثرة المال إنما هو بغنى القلب بالإيمان والرضا، قال عليه الصلاة والسلام: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب".
كما بين لنا الحبيب أن الرضا سبب عظيم من أسباب سعادة المؤمن الدنيوية والأخروية، وأن السخط سبب الشقاء في الدنيا والآخرة فقال: (من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله تعالى له).
وكان من هديه صلوات ربى عليه ان يعلم أصحابه ويغرس في قلوبهم الرضا بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وكان دائماً يقول: (من قال إذا أصبح وأمسى: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، كان حقاً على الله أن يرضيه)، وما أكثر من يكرر هذا القول بلسانه، وهو غير مطمئن القلب به ولا متذوق لمعانيه خصوصاً حين تزدحم عليه المصائب، فتكرار هذا القول باللسان فحسب لا يفيد صاحبه إذا لم ينبع من قلبه، فمن لوازم الرضا بالله تعالى رباً الرضا بكل أفعاله في شؤون خلقه من إعطاءٍ ومنع وخفض ورفع، وضر ونفع.
فيما يجري من القضاء والقدر راضيا به مدركا فيه من حكمة الله وعلمه ما لا يدركه غيره فاستحق أن يسجل في القرآن الكريم الثناء عليه ليتلي أبد الدهر علي أسماع الخلق في كل مكان "وإنك لعلي خلق عظيم".
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" ، وبعد الصبر تأتي منزلة أعظم وهي منزلة الرضا بالقضاء والقدر، فقد كان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"أسألك الرضا بعد القضاء".